250ورقة
من ظلمات الألم ومن قسوة الحياة هناك تربى أمل لطفلة قضت معظم أيامها لدى أسرتها التي علمتها فنونا لم تخطر ببال أحد. هذه الطفلة المسكينة تدعى ناردين. طفلة رائعة تجسد شخصية البراءة بكل معانيها لكن الحياة احتمت عليها أن تلبي طلبات والديها لكي تحيا وتجلب السعادة لهما.
ناردين هو زهر ذو رائحة جميلة وينتشر عطره في المكان ولذا قد أسماها والداها بهذا الاسم لتكون مفتاح السعادة لحياتهما. ناردين الصغيرة كانت تعاني كثيرا؛ لأنها من أسرة فقيرة.
كثير هي الأيام التي تذهب فيها إلى المدرسة بدون أموال في جيبها أو بدون فطور يسد رمق جوعها. في أحد الأيام وبينما كان وقت الفسحة.
ناردين كانت تتجول في ساحة المدرسة وترى الجميع بحوزته أكل وحلويات وغيره ،وهنا بدأ بطنها بالتألم ونفسها بالتحسر على حالها.
انحنت في زاوية وكانت هناك طفلة من أسرة راقية بجوارها ،وكانت ناردين تنظر إلى هذه الطفلة وهي تأكل واقتربت ناردين شيئا فشيئا إليها لأن الجوع قد تغلب عليها.
الفتاة من الأسرة الراقية قامت بالصراخ في وجه ناردين وأمرتها أن تبتعد عنها لكن ناردين رفضت وقالت هل لي بطلب واحد فأجابت الفتاة هيا
أخبريني لأتخلص من ملاحقتك لي ، أريد أن أتهنَ بفطوري الشهي الذي حضرته لي الخادمة. فقالت ناردين بكل براءة أريد أن أشم رائحة طعامك فقط لا غير.
فاستغربت الفتاة من طلب ناردين وقامت برمي أكلها ودهسه برجلها!! وناردين تتحسر ولكنها لم تبكي. وواصلت مشوارها وبينما كانت تمشي رأت مائة بيسة \
سقطت من جيب طالبة و حدثتها نفسها هل تأخذها وتشتري بها شيئاً يعينها أم تجعلها هكذا. وبعد تفكير طويل قامت بانتشال المائة بيسة لربما تكون منقذة لها
وذهبت لإعطائها أخصائية المدرسة. أخصائية المدرسة أعجبت بأخلاق ناردين ،ولأمانتها أعطتها هذه المائة وقالت لها أنها لك يا صغيرتي بارك الله فيك ولمن رباك.
وهنا فرحت ناردين كثيرا وذهبت إلى المقصف وأخذت لها ما يروي جوعها. وبينما كانت تأكل تحسرت على حالها خارج نطاق المدرسة فهي قد سئمت حقا ولكنها
ماذا تفعل إنهم والداها!! رن الجرس وأيقضها من سرحانها وذهبت إلى القاعة الدراسية. ورأت زميلاتها مندمجات بموضوع الدفاتر. وقالت ماذا هناك؟!!
فاجابتها شيخة: ماذا دهاك يا ناردين ألم تسمعي معلمة الرياضيات ماذا قالت بالأمس؟؟!! أجابت ناردين لا ماذا هناك هل كارثة ستحل اليوم هيا أخبريني؟.!
شيخة ذهبت لدرجها وأخرجت دفترها من هناك فقالت: أنظري يا ناردين إلى هذا الدفتر أليس جميلاً وبه صورة لولو كاتي وحجمه 250ورقة.
أجابت ناردين ببراءة :وماذا في ذلك أنه جميل وحجمه كبير. فقالت لها شيخة: يا ناردين معلمة الرياضيات قالت لنا أن نجلب دفتر ذو 250ورقة
لأنها تريد أن تبدأ بخطه معنا والفتاة التي لا تجلب دفتراً ذا 250 ستجلدها بالعصا عشر ضربات!!! وهنا ناردين وقعت بصدمة فهي كيف لها
أن تجلب دفتراً كهذا!! وبدأت تحدث نفسها وتقول: أنا لا أخذ نقودا للمدرسة أسد بهن جوعي والآن المعلمة تريدني أن أجلب معي اليوم دفتر
وأنا لا أملك أموالاً لشرائه، ماذا أفعل يا ترى ماذا أفعل؟!! وهنا تدخل المعلمة وبينما ناردين تفكر بحالها المسلوب. ولحظة الدخول بقت ناردين
جالسة على مقعدها وكل الفتيات وقفن احتراما للأستاذه وحيينها ولكن ناردين مازالت تغط بالفكير. ومن حسن حظ المدرسة أنها لم تلاحظ شرود ناردين.
و الآن بدأت المعلمة بالمحاضرة وقالت: ماذا أخبرتكن يا فتيات في المحاضرة السابقة. أجابت شيخة: أن نجلب دفترا جميلا ويحتوي على 250ورقة.
أحسنت يا شيخة فقد قلت كذلك بالطبع ،والآن من يكمل ماذا قلت وهو الأهم أجابت مرام: والشخص الذي لا يحضر معه الدفتر سيجلد بعشر ضربات جزاء لاستهتاره.
المعلمة أعجبتها ردود البنات وأكملت بقولها إذن فأنا أرى جميعكن قد حفظتن ما قلت، والآن لتقف كل من لم تحضر دفتر. وفجأة وقفت ناردين ومعها
فتاة أخرى تسمى زهرة لكن وضع زهرة مختلف فهي كانت مبتسمة. وهنا المعلمة زاد غضبها وحدثتنهن قائلة: كنت أتمنى أن لا أرى موقفا كهذا فانا
أعتقد أن زهرة لديها عذر أليس كذلك يا زهرة فأجابت زهرة بكل فخر قائلة: نعم يا معلمتي لقد ذهب والدي بالأمس إلى الخارج ،وكما سمعت فهو
ذاهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية فأنا لم أخبره؛ لأنه كان مشغولا. المعلمة كانت تعرف أن زهرة من أسرة راقية فكانت تعاملها كأنها أميرة
لا تقدر على أن تفعل لها شيئاً بسبب وضع زهرة المادي وقالت لها اجلسي يا زهرة ولا تنسي أن تبلغي سلامي لأهلك. لقد تخلصت زهرة من العقاب
بكل سهولة، والآن دور ناردين المسكينة. فقالت لها المدرسة بنبرة حادة وأنت يا ناردين لماذا لم تنفذي ما أمرتك به: فأجابت ناردين بنبرة منكسرة: آسفة يا معلمتي
ولكني لا أملك المال فهذا الدفتر الذي بحوزتي الآن أعتقد أنه سيكفي!!! وهنا المعلمة زادت حدة غضبها فقالت لناردين هيا قفي في الخلف واستعدي للعقاب.
وذهبت المعلمة لتحضر العصا المشؤمة وقالت لناردين هيا افتحي يديك القذرة. هنا ناردين لم تبك لكنها فتحت يديها التي قسى عليها الناس، فهي لا تملك ذنبا بكونها فقيرة ،
لكنها تتحمل نتيجة أخطاء المجتمع ،وبدأت المعلمة تضربها وأخبرت الفتيات أن يحسبن الضربات وكأنها أصبحت لعبة وبعد انتهاء الضربة التاسعة، سقطت
المعلمة فجأة وذهبت ناردين لإيقاظها والكل مستغرب هنا المعلمة لم تشكر ناردين عندما أفاقت بل سألت الطالبات وقالت لهن بأي ضربة قد وصلنا فأجابت مرام:
الضربة التاسعة يا مدرستي فشكرتها. وهنا فتحت ناردين يديها وضربتها المدرسة بكل قسوة وناردين بقت صامتة. بعد الضرب والتوبيخ أخبرت المعلمة ناردين
أن لا تأت إلى المدرسة إلا بصحبة هذا الدفتر المشؤم. وبعد ذلك رجعت ناردين إلى مقعدها وتحمد الله أنها لم تديم الوقوف في الخلف لأنها لم تعد قادرة. وكانت المعلمة تشرح وترسل أسهما قاتلة لناردين وكأنها عدوتها. وناردين تنظر ليديها وتحسب الخطوط التي بصمتها عصى معلمتها إلى أن انتهت المحاضرة ودق الجرس وأعلن عن نهاية اليوم. وخرج
ت ناردين من الفصل الدراسي وبينما كانت تمشي في الممر كانت هناك المعلمة التي أغدقت بضربها. وبعد عشر خطوات سارت بها في الممر أنطرحت ناردين ع
لى الأرض من التعب ولم يكن هناك إلا تلك المعلمة وذهبت إليها مسرعة لأنها أحست بتأنيب الضمير لأنها السبب لما حدث لناردين المسكينة. فكيف لطفلة تعاني من
الصباح وتأتي المعلمة لتكمل مسلسل المعاناة. هنا المعلمة وجدت يديها بين أحضان الطفلة وأسرعت بها إلى غرفة الصحة واستغربت من حالتها كثيرا.تأخر الوقت
وذهبت الحافلات وبقت ناردين والمعلمة وحارس المدرسة. المعلمة ذهبت لتجلب الماء وبعضاً من الأكل لناردين الصغيرة لكي تصحى وتسألها عن بيتها.وبعد دقائق
صحت ناردين ووجدت المعلمة حولها أخرى لقد ظنت ناردين ان المعلمة تريد أن تضربها ففتحت أيديها فقالت هاك يدي يا معلمتي لكن صدقيني ظروفي أحكمت علي.
ونظرت المعلمة ليدها وكلها أسف فقالت لناردين لا يا صغيرة فأنا لا أريد أن أضربك ولن أضربك مرة أخرى لقد علمتني درسا لا أستطيع نسيانه بوركت الأيادي التي ربتك.
هيا تعالي معي لأوصلك بسيارتي إلى بيتك بالتأكيد أهلك قلقون عليك. أجابت ناردين: لا بأس يا معلمتي فانا قادرة على السير بمفردي فأنا في أتم الصحة ولا أرغب أن تأخذي
مشقة في توصيلي. لكن المعلمة أصرت وأخذتها لبيتها وهناك بدأت أحداث أخرى. ودار هذا الحوار بينهن:
المعلمة: ناردين أسمك جميل حقا
ناردين: نعم يا معلمتي فوالديَ يحبان نبات الناردين فأسمياني به ويعني النبات الطيب الرائحة جعل الله لهما السعادة وراحة البال.
المعلمة: بارك الله فيك. أين بيتك؟
ناردين: بعد التقاطع التالي وأخذي اتجاه اليمين وهناك ستجدين بيتي
المعلمة: نحن قريبون جدا إذن يا ناردين أتمنى أن تهتمي بصحتك كثيرا و أن تجلبي لك فطورا تأكليه مع زميلاتك
ناردين: عذرا ولكن هذا بيتنا
المعلمة: لا أرى شيئاً سوى بيتا من السعف لا بد أنه مقصد سياحي
ناردين: لا يا معلمتي فهذا بيتنا بعد ما حل الإعصار في قريتنا أصبحنا نسكن هنا لأن بيتنا لم ننتهِ من إعداده بعد
المعلمة وهي مستغربة من وضع ناردين فهي لا تكاد أن تصدق عينياها وتحدث نفسها وتقول: كم هي المعاناة التي تعانيها هذه الطفلة الصغيرة والمعلمة غافلة عنها. فأكملت حديثها مع الطفلة
المعلمة: ناردين ماذا يعمل والدك؟
ناردين: إنه صياد ولكن القارب قد تكسر خلال أيام الإعصار ولم نعد نملك غيره.
المعلمة:هل بإمكاني أن أدخل للبيت.
ناردين: يمكنك ولكن سوف تتعجين منه أنني متأسفة لرؤية حالنا هذا
المعلمة: لا بأس يا صغيرتي لا يهم فأهلك قد ربوك أحسن تربيه
ناردين أدخلت المعلمة وقد تعجبت المعلمة بالفعل فأنها رأت بيتاً متكاملاً بالرغم من أنه من السعف. فقد كان بغاية الروعة والترتيب والنظافة فقد كان مهيأ للمعيشة بالرغم من الناظر إليه يقول أن البيت في وضعٍ مزدرٍ جدا ولكن الجوهر يختلف عن الظاهر.
المعلمة: ناردين أنتِ محظوظة جدا بالرغم من وضعكم المادي فأنا أرى عكس ذلك فأنتِ وعائلتك أغنياء بأخلاقكم وأفعالكم والناظر لبيتكم لا بد أنه سيحكم لمن يعيش في الداخل بأن الفوضى هي التي تعم المكان لكني أرى عكس ذلك فأرى كتبا كثيرة
ناردين: أجل يا معلمتي فوالدي يقرأ لنا يوميا كتبا ونحن نستخلص الفكرة الرئيسية من الكتاب لكي تزداد حصيلتنا المعرفية.
المعلمة : أنك تملكين أباً عظيماً فبارك الله فيك بالفعل، إنه قائد ويقال: " أن قارئ كتاب هو قارئ الغد".
ناردين: نعم يامعلمتي فهو قائدنا هنا يساعدنا ولكننا نخجل أن نثقل عليه بطلباتنا.
المعلمة: شكرا لكِ فقد حان موعد ذهابي ولا بأس لا تجلبي معك الدفتر ذو250 وأحرصي غدا أن تأتي مبكرة.
ناردين: حسنا يامعلمتي ولكِ كل الشكر والثناء.
ناردين كانت تحس بالسعادة لأن المعلمة لا تتذمر من معيشة ناردين وقد تقبلتها بكل رحابة صدر
في اليوم التالي للمدرسة في حصة الرياضيات. دخل وفد ليطلع على أوضاع المدرسة وأختار صف ناردين. دخل الضيوف وكان الترحيب من قبل المعلمة والطالبات.
المعلمة كانت متهيئة كثيراً وتحس بسعادة لأنها تأكدت أن في هذه الدنيا توجد الكثير من الفوارق المادية ولكن الأخلاق هي من تحليها. بدأت المعلمة الشرح وأعطت الطالبات مسألة حسابية فطلبت من احداهن أن تحلها والفتاة التي تجيب على المسألة سوف تعطيها هديةً رائعة وكان صوت غريب ولأول مرة في الفصل يقول أنا أنا أنا وكانت المفاجأة أنها ناردين. ناردين تشجعت لحل المسالة الحسابية. وخرجت لتحل المسألة أمام الحاضرين فكانت إجابتها خاطئة. ولكن لمحاولتها أعطتها المعلمة هدية وهي عبارة عن دفتر ويحتوي 250 ورقة وكانت صور الغلاف السعف وقد شكل بطريقة جميلة. وحياها الجميع بتصفيق حار وكانت البسمة تملئ شفتيها والسعادة علت محياها.
هكذا كانت قصة ناردين البريئة أخلاقها سمة بارزة ، احترامها للغير أكسبها الاحترام والتقدير ومراعاتها لمشاعر والديها وحالتها المادية جعلها كبيرة بعيون كل من يعرفها. الفقر ليس عيبا وإنما العيب أن أخجل من فقري. والفقرهو فقر أخلاق لا فقر مادة..كتب الله لنا غنى الأخلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق