العفية وأنـا
رقية عبد اللــه الفــــوري
(المقال الفائز بالمركز الأول في مسابقة السياحة البيئية على مستوى كليات العلوم التطبيقية)
العفية وأنا..
غطت ظلمة المساء الأرجاء. سكون حل وهدوء لامس الأضواء والناس نيام والليل قد أعلن البقاء. أصوات تسامرني وموج البحر يشدو أروع الأبيات ويعلنها لمن أحبه فهو لم يغط في النوم بالرغم من الظلمة التي عمت المكان. نجده مستمرا في الشدو فهو لا ينفك عن مغادرته.
استيقظ الفجر وظلمة الليل قد انجلت وعادت الحياة للطيور فمارست التحليق فوق رؤوسنا فرحا بقدومنا. . صحوت فالتقطت أنفاسي وحدقت عيوني بالمكان. شمس الصباح قد أشرقت في أول بقعة أرض يطل عليها النور.شمس حمراء تدعو للتأمل بها.سلاحف صغيرة وكبيرة بأختصار متعددة الأحجام فمشيت جريا نحوها لألتقط صورة لها..مشهد رائع قد تخللته نسمات مكللة بعبق وجداني بمشاعرالفرح والسرور. تارة أقف وقفة لا أكاد أقوى منها على الحراك أتأمل وأغوص في عالم الشروق لهذه الشمس الملهمة وتارة أخرى أقيد آلتي التي ألتقط بها الصور والتي تعشقها العين ومن ثم يهواها القلب. جموع كبيرة من الناس تنتظر لحظة الإشراق وتراقب بصمت وكأنها لحظة التتويج وما أن تلبث الشمس بالشروق ،البسمة تغرد على محيى الحضور طربا بما نالت به أعينهم من روعة وجمال. ليس هذا فقط وأيضا رمال ذهبية ناعمة تتناثر بحركة الرياح التي تداعب الخد وبالرغم من دخولها العين ألا أنها تبقى لها لذة.
وبعدها قادني نظري إلى العيجة وقد رأيت بها جسرا معلقا. حكمة وشده في البناء وتسهيل في عملية العبور والناظر إلى الأسفل سيجد أنعكاس أضوائه تأخذ بريقا لامعا.فئات عمرية مختلفة بأمكانها أن تأخذ قسطا من الراحه به أو أن تأخذ تمارين رياضية أو أن تفكر بكتابة موضوع معين كلما زاد التحديق بالجسر فهو قد يكون مصدر الإلهام من براعته وكثرة الزائرين إليه. والأجمل ما في الأمر بأنه الجسر الوحيد في السلطنة بهذه الشده والدقة والتصميم.
مناظر جذابه وأخرى لا يكاد الوصف يبلغها. طبيعة صور تجعلك مأسورا لعشق البحار والصخور بعد ما نزلت أقدامنا لمنطقة شياع فهي قمة في الجمال سلاسل من الخصل الذهبية وأخرى فضية يتخللها مياه البحر ومن جانبه جبال مرتفعة وبها فجوات وفتحات تجعلك متشوقا لتسلق الجبال ورؤية ما يخبئه من أصداف وصخور وما أودعها الله به. ومما يزيدك سعادة رؤية كم هائل من المعجبين بهذه الطبيعة يتسامرون ويقضون أمتع الأوقات.
وبعدها أخذت قسطا من الراحة واستلقيت فوق الرمال وأغمضت عيناي التي أغٌرقت من جمال المناظر وفي داخلي همس ينادي ما أجملك من منظر!.
وفجأة وجدت نفسي على متن سفينة ضخمة قد مدت ذراعها لي تدعى فتح الخير. ترحيب حافل قد حفوت به. تاريخ عريق قد حملته هذه السفينة فرجعت الذاكرة بي إلى تاريخ أجدادنا الذين خاضوا البحار وتحدوا الأمواج في سبيل نشر السلام والأمان ومن أجل أن يرزقوا بلقمة العيش. السفينة تضم غرفا متكاملة تجعلك أسير الشغف لاكتشاف ما تكنه وما تخبأه من مغامرات وأحداث.
الحصون والقلاع لها نصيب كبير من تشكيل المنظر الجمالي والسياحي لطبيعة صور العفية. ومن ضمنها حصن السنيسلة الذي يقع على هضبة الجبل وكأنه حارس للولاية. وحصن بلاد صور الذي يعتبر مقصدا سياحيا للزوار كغيره من المعالم الأثرية في الولاية.
وبعدها أتجهت قافلة رحلتي إلى مزار آخر وهي قلهات. قلهات أم الحضارة والتاريخ، مجد سطرته الصفحات وعبق حبرا خُلد في الذاكرة. عند نزولي لهذه القرية الأثرية ما جذب أنظاري ضريح يطلق عليه بيبيه مريم. علامات الإستغراب انتابتني من وجود هذه الأثار في منطقة قلهات ولكن ما استوقفني الأسم الذي يطلق عليه الضريح. فأجابني الحارس أحمد سالم الشعيبي عن الإبهام. حيث تعددت الروايات عن سبب التسمية يقال أنه نسبة للسيدة مريم بنت عمران ورواية أخرى تقول بأن الضريح هو مقبرة لسيدة عجوز من قلهات يطلق عليها مريم. ولشكل الأثر اختلاف أيضا إذ يقول البعض بأنه أقرب للمسجد ويخالفهم آخرون بأنه ضريح.
وفي النهاية يبقى أنه معلم أثري حضاري يجذب السياح ليتعرف على مكنونات قلهات الحضارة.
وفي نهاية رحلتي استوقفتني جبال شاهقة وأودية خصبة في مكان يسمى طيوي. ألتقيت بشيخ كبير في السن وأخبرني بأن هذه المنطقة عبارة عن منطقة أودية فيوجد بها واديان وادي شاب ووادي طيوي ومناطق جبلية قديمة ومدافن فهي مزار سياحي بحت وموقعها الإستراتيجي في منطقة خليج عمان الذي يتميز بزرقة مياهه واتساع شطآنها العريضة.
وبعد ما أنهالت علي كل هذه الدرر لم أتوانى لحظة في التفريط عن زيارة هذا المكان الذي قد سحرني قبل أن أزوره.فأتجهت مسرعة إلى الناحية الشرقية من النيابة فإذا بي أتأمل وادي طيوي. أنه واسع بالفعل تحتضنه أشجار كثيفة تجعل الناظر إليها يحس بطعم الراحة ويتمناها أن تدوم، وإضافة لهذا جبال مرتفعة تجعل نظرك يمتد لنهايته لتتعرف على مدى ضخامة هذه الجبال وكأنها أم تعانق أبناءها.
بعدها قررت التوقف عند شاطئ جريف الواسع لكي آخذ قسطا من الراحة . شاطئ يضم رمالا فضية ونسيم هواء رنان ومياه عذبه تنساب من وادي طيوي فهو يجمع بين مياه خليج عمان ومياه الوادي.
ومن ثم أخذتني أقدامي إلى مدخل النيابة من الجهة الغربية فإذا بي في وادي شاب وهو شبيه لوادي طيوي. مياه خصبة وأشجار ملتفة تنتشر على كل ضفاف الوادي ومما زاده جمالا التعديلات التي قامت بها الحكومة في سبيل تعزيز السياحة البيئية.
نيابة طيوي ما زادها تدفق الزائرون إليها وجود مدافن في إحدى القرى الجبلية وهي على شكل أبراج ويرجع تاريخها لحضارة أم النار ويصل عددها إلى تسعين قبرا.
هكذا كانت رحلتي في رحاب العفية صور. بها الكثير لكن قلمي لم يستوعب جمال المناظر فغرد بها قلبي ليعلن عن قدوم يوم آخر في أن تكتب على مدوناتي. فأنا على يقين أن كل من يتنفس هواء العفيه لا يريد أن يفارقها أبدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق